فلنتذكرهم بفرح-عماد استيتو-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
موسيقى

فلنتذكرهم بفرح

  الفنانان الراحلان محمد رويشة ومحمد السوسدي    

ذات ثلاثاء بينما كنا مستغرقين في تقليب خلافاتنا البسيطة منها والعميقة بينما كانت صراعات السياسة والمناصب تشغل البعض في حين يضيق بنا السجن الكبير   ، غادرانا دون أن يتركا رسالة وداع  لا لنا ولا للسجان ، لم يطرقوا حتى الباب مرة أخيرة ، كان الموت قد تأخر فعلا ولم يصدقوا مقدمه حتى خرجوا لاستقباله بحضن دافىء  كيوم عيد، إنه مجد طاردوه في حياة قضياها ناسكين زاهدين بكل ما يحمله الزهد من معاني النبل ، نريد أن نبكي ولكن لا نستطيع أن نخالفهما فالموت لم يكن أبدا نهاية بالنسبة لهم وحتى الحياة لم تكن أبدا لا انتصارا ولاامتيازا بالنسبة لهما ، يريدوننا أن نتذكرهم في يوم الرحيل بفرح ، لا مكان للجنائز وللمآتم ، اليوم مغنى ، اليوم عيد ننشد فيه أغانيكما مرات ومرات ، يحق لهما أن تكون الساعات القادمة مسجلة حصريا باسميهما ، هذا أقل ما يمكن أن نفعله ونحن نرى المشهاب ينطفىء و جبال الأطلس شامخة أوتارها تصوم اليوم عن النحيب لأنه الزمن .

أخد الاثنان حيزا من حيوات كثيرة ،  بمسحات الحزن على ملامح كل مقهور ومغبون ، لكن لسنا يتامى اليوم و رويشة الذي تساءل في أغنيته " شكون يفهمني ؟" يحيا من جديد ، نعم يحيا مع الوتر في قلوب أثخنها الضيم والانتظار ، يحيا مع الزمن الذي لم يعد كالزمن ، محمد سوسدي سيذهب بعيدا أيضا عن كل هذا الوهم الذي يسيطر علينا في الصباح ويقتلع فراشنا في الليل كما تقول رائعة " الغادي بعيد " ربما بحثا عن الخليل الضائع ، وحدهم الرائعون يغادرون ويستقلون الرحلة المجانية التي لا يعرف موعدها لا إنس ولا جان .. لا يوضبون لا حقيبة سفر ولاهم يحزنون في حين يمهل الزمن الفاجر أنصاف الرجال ليمرحوا بتاريخ يكتب وينشر ثم يحتفى به ، في حين يرحل أبناءنا الشرعيون والصمت يصوت بمقاطعتهم ، هل لنا أن نذرف شيئا من الدمع على "السي محمدين" ؟ ، آذاننا ستصبح صماء لأن خطبكم وفتوحاتكم   لوثت أسماعنا .. اصمتوا قليلا يا سادتي ، دعونا نقضي وقتنا العاطل في حضرة الوطن ، نريد أن نعانق عطر الوطن ونجلس مع الشعب على مائدة الطرب ، سنستغني عن غداء فرنسا وطعام أمريكا ، سنقترض وقتا من جدول لم تبرمجوا فيه الوطن ، سنحصل على صوت يقول بلساننا "قولو ياهلي للواصي علينا راه الحالة مقهورة و الدنيا فايتة كوكب من لفْلاك خبروه باللي جاري را حنا عييينا كتْبان الصورة مبشورة كسْدتنا واقفة دفنتها لهْلال و داز الصغر و الشباب و باقي لعْذاب " ، بعدها سنطلق العنان لدموعنا وسنبكي مهما استطعنا .


سنأخذ الاثنين معا إلى خلوة ليلية غير شرعية بعيدا عن دينهم المتهجد  بالاستثناء و ، سنذهب لنغني معا ، سنحزن ونشكو مآسينا ونغفر خطايا الآخرين ثم فجأة تتبخران وتأتي الصغيرة لتبكي قمعا " سوسدي ورويشة ما عادوا بيننا " .. ، لا تبكي يا صغيرة فالحزن جميل جدا والليل عديم الطعم بدون هموم يقول مظفر النواب ، الحزن لأجلهما فائق السعادة والبهجة ، لنا عرس لن ينتهي ، لن تتوقف الزغاريد في خلوتنا ، سنقيم حفلا لا عزاء فلا وقت للرثاء ، دعهم يمارسون نفاق الحزن ويتظاهرون بالوفاء والعرفان ، دع لهم البكاء الزائف والاحتفاء الباهت، أما نحن فسنجلب آلة " الوتر " وسنقصد ريبيرتوارا قديما نفتش عن الشهب ثم سنرقص ، على الجرح والألم سنتعالى وسنمسي ونصبح مع الكروان والمعجزة .

ولأنه القدر يرسل إلينا برسالات السماء التي لا تخطىء فقد اختارهما معا ، لم يترك لنا سوى خيارات صغيرة ضاق بها الجيب ، اختصر الموعد كما اجتماعات الحكومة وكأنه يعدنا لزيارات قادمة لا تأخذ إلا الذين نحبهم  وتنتقي بعناية كما ينتقي الحاكم خدامه المخلصين ، وكأن ما تبقى من زمن عصي على الفهم والترويض يرفض أن يسمح لهما بالتمرغ في قبحه ، سنصلي صلاة استسقاء غير تلك التي صلوها سندعوا إلها آخر غير إله المطر وبزته الزرقاء ، سندعوا للزمن أن يخلد الذكريات حتى وقت تموت الحياة كما يقول رويشة .

سنقتسم من الآن وصاعدا هاته الأغنية وتلك مع أغنية السلطان لو سمح طبعا ، سننشد زجل السوسدي و نتعلم العزف على وتر رويشة يائسين إلى أن نلحق بهما إلى زمن آخر ، زمن يلعب فيه الأطفال حقيقة ولا يحرمون من طفولتهم ويتقلدون أدوارا أكبر من الدهر تخجلهم وتخجل الكبار .. زمن يحن فيه إلينا المطر.. زمن يطلق فيه القاضي سراح نفسه كما طلب المحامي الشجاع ، الآن وقد تركا لن تكفينا علب السجائر ولا أعواد الثقاب ولا رصاص الحناجر، سيغرد البلبل الحزين شجنا وقهرا "داويني " ويشعر بحرقة المسافر والسجان يمنعه عن الوطن ، فقط لنتذكرهم بفرح وقد ذهبت الأجساد وآمنت الأرواح.



 
  عماد استيتو-المغرب (2012-01-18)
Partager

تعليقات:
خالد بوهيلل /المغرب 2013-04-02
وتيتمر الطاهر الغيونتة...
البريد الإلكتروني : ABOUHALIL@HOTMAIL.COM

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

فلنتذكرهم بفرح-عماد استيتو-المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia